جريدة عمان - السبت 28 ربيع الأول
1447هـ - 20 سبتمبر 2025
القضاء والذكاء الاصطناعي.. تحديات تشريعية وتنظيمية
حوار - غالية الذخرية
يُواجه إدماج الذكاء الاصطناعي في العمل القضائي تحديات كبيرة تتطلب حلولًا تشريعية
مرنة ومدروسة، تتمثل في ضمان التوازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على قيم
العدالة القضائية، ومواكبة التشريعات للتطورات التقنية السريعة. وحول أبرز هذه
التحديات الرئيسية التي تواجه عملية سن تشريعات تُحدد نطاق وضوابط استخدام الذكاء
الاصطناعي في العمل القضائي، أوضح الدكتور سالم بن زويد الهاشمي الأمين العام
المساعد للتخطيط والتحول الرقمي بالمجلس الأعلى للقضاء أن وضع تشريعات مُنظمة
لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء يتطلب مراعاة عدة جوانب دقيقة ومتداخلة لضمان
تحقيق العدالة وصون الحقوق، منها ضرورة مواكبة التطور التقني السريع مما يستدعي أن
تكون التشريعات مرنة وقادرة على التكيف مع المستجدات، وضرورة إيجاد آلية تجعل
التشريعات مواكبة لهذا التقدم حتى لا تصبح غير ملائمة بعد فترة وجيزة، وضمان
الشفافية في التعامل مع أنظمة "الصندوق الأسود" لأن طريقة عملها غير واضحة
للمستخدمين، وذلك بما ينسجم مع مبدأ تسبيب الأحكام القضائية، مشيرًا أن من النقاط
الجوهرية التحديد المسبق للمسؤوليات عند وقوع أي خطأ، سواء كان على مطور البرمجيات
أم الجهة القضائية. كما أنه يجب التأكد من جودة ونزاهة البيانات التي تُدرّب عليها
هذه الأنظمة لضمان خلوها من أي أنماط تمييزية سابقة.
مواكبة التطور التقني والشفافية
وحول كيفية تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على قيم ومبادئ القضاء،
أفاد الهاشمي قائلًا: لتحقيق هذه الموازنة، يمكن للتشريعات أن تنطلق من مبدأ أساسي
وهو أن "التقنية هي وسيلة داعمة لعمل القضاء، وليست بديلًا عن الحكمة البشرية"،
ويتجسد هذا التوازن عبر تحديد أدوار التقنية بحيث توضح النصوص القانونية المهام
التي يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة فيها، كالبحث وتحليل البيانات، وتلك التي تبقى
حصرًا من صميم عمل القاضي، كإصدار الأحكام النهائية، كما يجب تبني مبادئ تضمن
العدالة منذ المراحل الأولى للتصميم، ومن أهم هذه المبادئ شفافية عمل الخوارزميات
لتمكين الأطراف من فهم كيفية الوصول إلى النتائج، وقابلية مراجعة المخرجات لضمان
وجود فرصة لمناقشة توصيات النظام، بالإضافة إلى وضع معايير صارمة لجودة البيانات
المستخدمة لضمان دقتها وموثوقيتها.
المسؤولية القانونية
وحول كيفية ضمان الرقابة البشرية الفعالة والاحتفاظ بسلطة القاضي التقديرية عند
استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في العمل القضائي، أكد الدكتور ضرورة أن تنص
التشريعات على أن تكون مخرجات الذكاء الاصطناعي مجرد "توصيات استشارية" غير ملزمة،
وأن يظل القرار النهائي بيد القاضي الذي يمتلك كامل الصلاحية في الأخذ بها أو
تركها. ولتحقيق ذلك، من الضروري تأهيل القضاة وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لفهم
إمكانيات وحدود هذه التقنيات، مما يعزز قدرتهم على تقييم مخرجاتها بكفاءة وموضوعية.
كما أوضح الهاشمي أن تحديد المسؤولية القانونية عن الأخطاء أو الأضرار الناتجة عند
استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي يتطلب إطارًا قانونيًا يوزع بشكل عادل ومنطقي بين
جميع الأطراف المعنية، ويمكن أن تشمل هذه المسؤولية المطور في وجود عيوب في تصميم
النظام أو برمجته، كما يتحمل المرفق القضائي جزءًا من المسؤولية فيما يتعلق
بالاستخدام السليم للنظام وتوفير التدريب اللازم وتطبيق التحديثات الأمنية،
ومسؤولية القاضي عند وجود إهمال واضح من جانبه، كأن يعتمد بشكل كلي على توصية من
النظام يظهر خطؤها بشكل جلي دون تدقيق أو مراجعة.
حماية البيانات القضائية
وأوضح الهاشمي أن حماية البيانات القضائية تعد أولوية قصوى نظرًا لحساسيتها
وأهميتها، ويمكن تحقيق ذلك عبر منظومة أمنية متكاملة تشمل تشريعات واضحة لخصوصية
البيانات تضمن بقاءها ضمن نطاق سيادي آمن، وتضع ضوابط صارمة على صلاحيات الوصول
إليها، ويجب أن تُدعم هذه التشريعات ببنية تقنية آمنة تستخدم أفضل تقنيات التشفير
والحماية، مع إجراء فحوصات أمنية دورية للأنظمة لتقويتها ضد أي اختراقات، كما يجب
وضع سياسات وإجراءات عمل واضحة للموظفين حول كيفية التعامل مع البيانات، وتعزيز
الوعي بالأمن الرقمي عبر تقديم برامج توعية مستمرة للعاملين في القطاع القضائي.
ولضمان العدالة وعدم التمييز عند استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء، أشار الدكتور
إلى استراتيجيتين أساسيتين: الشفافية وتجنب التحيز. ولتحقيق الشفافية شجع الدكتور
على استخدام أنظمة ذكاء اصطناعي قابلة للتفسير، بحيث يمكنها توضيح الأسباب التي أدت
إلى نتيجة معينة، وهذا يمنح المتقاضين فرصة فهم منطق القرار. ولتجنب التحيز، أفاد
بضرورة أن تبدأ العملية بفحص دقيق للبيانات المستخدمة لتدريب هذه الأنظمة، للتأكد
من أنها متوازنة وتمثل المجتمع بشكل عادل، كما يجب تصميم الأنظمة بحيث تأخذ في
الحسبان السياق الإنساني والاجتماعي للقضية، مع إجراء اختبارات شاملة ومحاكاة مكثفة
قبل تطبيقها الفعلي لقياس مدى عدالتها.
برامج تدريبية متخصصة
كما أوضح الدكتور أهمية رفع الكفاءة التقنية للعاملين في السلك القضائي من خلال
التدريب المستمر الذي يتجاوز الدورات التعريفية الأولية، وتصميم برامج تأهيل أساسية
ومستمرة حول التقنيات الجديدة وكيفية استخدامها بفعالية وأمان، وتنظيم حلقات عمل
تتيح للمشاركين التفاعل المباشر مع الأنظمة الذكية والتدرب على استخدامها في
سيناريوهات تحاكي الواقع. ولضمان استمرارية الفائدة، يُفضل إعداد أدلة إرشادية
مبسطة ومواد تعليمية واضحة تشرح خطوات استخدام كل نظام والغرض منه بأسلوب سهل
ومباشر، وتكون بمثابة مرجع دائم للموظفين والقضاة.
ولضمان بقاء أنظمة الذكاء الاصطناعي دقيقة ومواكبة للتطورات القانونية والقضائية،
أفاد الهاشمي بضرورة إنشاء نظام للملاحظات والتحسينات واعتماد آليات تحديث
ديناميكية تتيح للقضاة والمستخدمين تقديم تقييماتهم حول أداء النظام، والتي تُستخدم
لاحقًا في تطويره وتحسينه، وربط هذا النظام بقواعد البيانات التشريعية والقضائية
الرسمية، لتتغذى تلقائيًا بأحدث القوانين والأحكام الصادرة، بالإضافة إلى تفعيل
خاصية التعلم المستمر تحت الإشراف، والتي تسمح للنماذج بالتعلم من القضايا الجديدة
مع وجود رقابة بشرية تضمن أن عملية التعلم تسير في الاتجاه الصحيح دون اكتساب أي
أنماط خاطئة أو تحيز. كما أوصى الهاشمي بإنشاء شراكات مثمرة بين القطاع القضائي
والتقني التي تُبنى على التعاون والتكامل وتبادل الخبرات، وذلك من خلال تكوين فرق
عمل مشتركة تضم قضاة وخبراء قانونيين جنبًا إلى جنب مع مهندسي ومطوري التقنية للعمل
معًا على تصميم حلول تلبي الاحتياجات الفعلية للمرفق القضائي، ودعم المشاريع
البحثية المشتركة بين المؤسسات القضائية والجامعات وشركات التقنية، وذلك من خلال
تمويل الأبحاث الهادفة لتطوير أدوات قضائية ذكية وموثوقة، وتنظيم مؤتمرات ولقاءات
ومنتديات حوارية لبناء رؤية مشتركة للمستقبل بين القطاعين.
التطبيقات العملية
وبيّن الدكتور أن التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي تدعم العمل القضائي في تحسين
كفاءة إدارة القضايا من خلال التصنيف المساعد للدعاوى وتوجيهها إلى الدائرة
المختصة، وتقديم تحليلات حول المسار الزمني المتوقع للقضية، ومساندة القاضي في عمله
عبر توفير أدوات بحث متقدمة وسريعة في السوابق القضائية والمبادئ القانونية،
والمساعدة في صياغة مسودات أولية للأحكام في القضايا البسيطة والمتكررة. كما يسهم
الذكاء الاصطناعي في تسهيل الوصول إلى العدالة من خلال تطبيقات مثل المساعد الذكي
الذي يقدم إجابات أولية لاستفسارات الجمهور حول الإجراءات القانونية.
ومن جانب آخر، أوضح الهاشمي أن الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يُحدث نقلة نوعية في
تدريب الكوادر القضائية، بجعله أكثر فعالية وتخصصًا، من خلال تصميم برامج تدريبية
متخصصة تقوم على تحليل أداء الموظف واقتراح مسارات تدريبية تناسب احتياجاته لتطوير
مهاراته بشكل محدد، وتوظيف تقنيات متقدمة مثل المحاكاة باستخدام الواقع الافتراضي
لتوفير بيئات تدريبية آمنة تحاكي قاعات المحكمة وتمكّن المتدربين من صقل مهاراتهم
العملية. ويمكن استخدام أنظمة تقييم الأداء الذكية لتقديم ملاحظات بنّاءة وفورية
للموظفين حول أدائهم، ومساعدتهم على تحسين إنتاجيتهم بشكل مستمر.

عُمان تتقدم 5 مراتب في الذكاء الاصطناعي
" الأعلى للقضاء".. توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين
الخدمات العدلية